يشكل التصدى للتطرف العنيف أحد أهم التحديات التى تواجهها دول العالم اليوم حيث يعتبر الرافد الأساسى للإرهاب ، وتداعياته الكارثية على حقوق الإنسان وإستفحال النزاعات الإجتماعية والحروب الأهلية .
ورغم أن التطرف العنيف أصبح يطال معظم بلدان العالم ، إلا أنه يتوطن بشكل وبائى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، ويفضى إلى مضاعفات خطيرة على السلام الإجتماعى فى عدة بلدان عربية وأفريقية دفعت ببعضها إلى مستنقع الدول الفاشلة .
ويفتقر التطرف العنيف - شأن الإرهاب – إلى تعريف جامع مانع ، ولا يزال البعض يتساءل " لماذا العنيف " بينما يكفى مصطلح " التطرف " فحسب ، ولكنه بخلاف الإرهاب ، تطورت إستراتيجيات مواجهته فتحول من عامل مدمج فى الإستراتيجيات الدولية لمكافحة الإرهاب ، إلى تقرير إستراتيجية مستقلة خاصة بمكافحته .
ورغم الإضافات القيمة التى أسهمت بها الهيئات الدولية والوطنية فى مكافحة التطرف العنيف ، وخطاب التحريض والحض على الكراهية ، فلم تتطرق هذه الجهود لتقييم الخبرة السابقة والآراء المطروحة لمناهضة التطرف العنيف ، رغم أن معظم المقترحات والآراء المطروحة الأن لمناهضة خطاب الكراهية تتطابق مع الحلول التى سبق إقتراحها وممارستها من قبل وثبت فشلها .
فرغم إمتثال البلدان العربية لكل دعاوى وبرامج ما سُمى بالإصلاح السياسى منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر الإرهابية التى تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية فى العام 2001 والتى شملت تطوير المناهج الدراسية والخطاب الإعلامى ، والخطاب الدينى وتشديد القوانين المتعلقة بالإرهاب ، وتعزيز الحوار بين الأديان وغيرها ، فقد تفاقمت ظاهرة التطرف العنيف وإستفحل خطاب التحريض ، وتدهورت حالة حقوق الإنسان والحريات العامة وأنتهكت أوليات حقوق الإنسان فى السلامة البدنية ، والخصوصية ، والحريات العامة ، والحق فى المحاكمة العادلة بدعوى مكافحة الإرهاب ، وتوازى ذلك مع التدخلات الأجنبية وإحتلال العراق وإطلاق يد إسرائل فى إنتهاك حقوق الشعب الفلسطينى . ولا شك أنه يتعين عند معالجة خطاب التحريض أن ينظر بعين الإعتبار إلى الجوانب السلبية للتدخلات الدولية التى أدت إلى الحالة المزرية التى وصلتها حقوق الإنسان وحرياته العامة فى بعض البلدان العربية والأفريقية .
فى هذا السياق المشحون تبنى المجلس القومى لحقوق الإنسان تطوير إستراتيجيته لمكافحة التطرف العنيف ، وتعزيز الجهود الدولية والإقليمية والوطنية الرامية لتحقيق هذا الهدف ، بمساهماته مع جهود آليات الأمم المتحدة المعنية ، والشبكتين العربية والأفريقية للمؤسسات الوطنية ، كما نظم فعاليات متخصصة شملت : دور ومسئوليات رجال الدين فى حماية حقوق الإنسان ( ديسمبر كانون أول 2016 ) ودور مؤسسات التربية فى نشر ثقافة حقوق الإنسان ( أبريل نيسان 2017 ) وتوج هذا الجهد بالمؤتمر الدولى حول دور ومسئوليات مؤسسات التوعية فى مواجهة التطرف العنيف والحض على الكراهية . لمتابعة الجهد السابق ومراكمته ، و التعرف على الممارسات الجيدة للإستفادة منها .
أولاً : دور مؤسسات التعليم فى بث ونشر القيم الأخلاقية والتربوية والتعايش مع الآخر فى إطار المفهوم الشامل لحقوق الإنسان
أجمعت الآراء على أن التعليم يتصدر آليات الوقاية من التطرف العنيف ، وتجنب إنتاج أشخاص متطرفين وغير مؤمنين بالتعددية أو قبول الأخر حيث يقضى الأفراد نحو 18 عاماً من عمرهم فى المؤسسات التعليمية لكن إختصت الآراء فى الوقت نفسه نمطاً محدداً فى التعليم يستطيع أن يبلغ هذه النتيجة وهو التعليم الجيد ، والمتاح للجميع دون تمييز فى إطار نظام مؤسسى ، وكفء وعادل ، ومستدام ومرن يرتكز على التعلم الممكن تكنولوجياً حتى يساهم فى بناء شخصية متكاملة وإطلاق إمكانياتها لأقصى مدى لمواطن يعتز بذاته ويكون مستنيراً ومبدعاً ومسئولاً وقابل للتعددية وإحترام الإختلاف وفخوراً بتاريخ بلاده .
وأن جودة التعليم لا يمكن أن تتحقق بتجاوز دور المعلمين إذا لابد أن يكون التغيير موجهاً للمعلمين فى المقام الأول ، وأن تتم مراجعة معايير إنتقاء المعلمين بحيث يتم التركيز على السمات الشخصية والمهارات الوجدانية إلى جانب المؤهلات الدراسية .
كذلك فإن الطريقة الوحيدة لتحسين مخرجات التعليم هى : تغيير البيئة التعليمة حيث أن الطالب الذى يعيش فى مناخ غير صحى وغير أخلاقى لا ينتظر منه أن يكون مختلفاً عن هذا الإطار .
إعادة النظر فى طبيعة الرسائل التى توجه للأطفال عبر الألعاب المتاحة والأفلام السينمالئية التى تتعلق بالعنف .
وركزت بعض الآراء على وجود فجوات يتعين الإنتباه لها وجسرها أبرزها : غياب التكامل مع جهات التنشئة الأخرى مثل ( مراكز الشباب والمساجد والكنائس ... ) وكذلك عدم مخاطبة المتطرفين فى أماكن تواجدهم الفعلى بالسجون أو فى الأسر " الجهادية "والحاجة إلى تصميم برامج متخصصة للمساعدة تشمل الدوائر المباشرة المحيطة بالمتطرفيين ومن يتعاملون معهم .
ثانياً : دور مؤسسات الإعلام فى مواجهة التطرف و نشر ثقافة حقوق الإنسان
يتبوأ الإعلام مكانة مركزية بين عناصر منظومة بناء الوعى ، ويحتل - بحكم هذا الدور – موقعاً محورياً فى مختلف النظمالسياسية وإن إختلفت وظيفته من التعبئة فى بعض النظم إلى بناء الوعى فى النظم الديمقراطية وهو بدوره هذا موضع تجاذب مستمر بين السلطة والمجتمع ، وبين القوى السياسية والإجتماعية المختلفة .
وينعكس هذا الدور الحاسم للإعلام إيجاباً أوسلباً فى التأثير على مسار حقوق الإنسان وليس فقط بتأثيره فى تكوين الوعى ، ولكن أيضاً بدوره الرقابى وقدرته على توفير المعلومات وإثارة القضايا . وقد تضاعف تأثير هذا الدور فى السنوات الأخيرة بالتطور السريع فى تقنيات الإتصال ، ولا يزال أفق هذا التطور مفتوحاً بغير حدود .
ويتأثر التوجه العام للإعلام بعوامل متعددة يأتى فى مقدمتها طبيعة النظام الإجتماعى – السياسى السائد ، والتشريعات المنظمة للعمل الإعلامى وملكية وسائل الإعلام ، ونظم تمويلها ، وتكوين الإعلاميين ، وتنظيماتهم المهنية والنقابية ، ونظم المساءلة والعقاب فى جرائم النشر . وهى عناصر تتفاوت فى درجة إستجاباتها للتأثير ، ولا يوفر أى منها بشكل منعزل عن بقية العناصر تأثيراً حاسماً على التوجه العام ، أو مضمون الرسالة الإعلامية .
ومن ثم تظل إحدى الإشكاليات المهمة فى الجهود المبذولة فى تعزيز الحريات الإعلامية وتأكيد توجهها الإيجابى تجاه قضايا حقوق الإنسان عامة ، ومكافحة التطرف خاصة ، ضرورة وضع خطة شاملةتساعد على تأهيل العاملين بمجال الصحافة والإعلام بتعميق معرفتهم بالتطرف العنيف وأبعاده وتأثيراته على حقوق الإنسان حتى يمكنهم نشر الوعى الخاص بمكافحته.
ويتصل بدور الإعلام دور الدراما التليفزيونية فى مواجهة خطاب العنف والكراهية ، بالنظر لدورها الجاذب للمشاهدين وتأثيرها العميق فى وعى المجتمع خاصة فى المساحات التى لا يتوافر فيها بديلاً للوعى سوى الأعمال الدرامية نظراً لتفشى الأمية لدى قطاع عريض من المواطنين خاصة النساء ، وقد تبنى المشاركون عدداً من المبادىء الرئيسية لتعظيم الإستفادة من هذه الآلية أبرزها ما يلى : -
1- وضع خطة درامية تلبى إحتياجات المشاهد فى دراما مختلفة ومتنوعة تساهم فى إذكاء فكره ووجدانه ، وتنشئته أولاده وتنمية قيمة الإنتماء والإرتباط بالوطن .
2 - عودة إنتاج دراما تلبى إحتياجات المشاهد وتساهم فى إذكاء فكره ووجدانه ، وتنشئة أولاده على قيم الإنتماء والإرتباط بالوطن .
3 - عودة إنتاج المسلسلات الدينية التى إختفت تقريباً ، بخروج شركات الإنتاج الحكومية من السباق الرمضانى السنوى والتى نحن الأن فى حاجة إليها لتقديم الوجه السمح للإسلام .
4 - الإكثار من الأعمال الوطنية التى تجسد إنتصارات هامة فى تاريخنا الحافل بها مثل ( الطريق إلى إيلات - رأفت الهجان - دموع فى عيون وقحة وغيرها ) وتلك التى ترصد إنتصارات وتضحيات الحاضر ، حيث يقود الجيش الأيام معارك مصيرية للدفاع عن الوطن والهوية ويسقط من أبنائه ومن أبناء الشرطة يومياً شهداء يصلح كل منهم أن يكون بطلاً لعمل درامى .
5 - إنتاج أعمال درامية ترصد ما يحدث فى مصر اليوم من متغييرات فى الخريطة الإجتماعية والسكانية حيث تنتقل مجتمعات كانت تعيش على هامش الحياة إلى أخرى حضارية تحفظ كرامة الإنسان توطئة لخلق المجتمع المشارك المتماسك الذى لا مكان فيه لخفافيش الظلام .
6 - عودة إنتاج " دراما السير الذاتية " على أن يكون رموزها من مختلف المجالات ،فالأجيال الجديدة تحتاج للقدوة ولا يجوزأن تترك الأمور بلا ضابط فتصبح هذه القدوة مثلاً هى " الأسطورة " بدلاُ من أن تكون طلعت حرب .
7 - تنوع أشكال القوالب الدرامية فلا يقتصر على قالب الحلقات الثلاثون التى تضطر المؤلف إلى الحشو واالإطالة فهناك قالب الفيلم التلفزيونى الذى يقدم فى 7 حلقات أو 15 حلقة وغيرهما من قوالب التعبير وبذلك يمكن تحقيق الإستفادة الأكبر من المصنف الفنى الذى يعانى الآن من التسطيح الفكرى ، وقلة وجود الموضوعات التى تحمل رسالة تساهم فى تغيير فكر المتلقى ووجدانه للأفضل والأرقى ولكى يتحقق ذلك لابد من البحث عن كتاب لديهم وعى بمفهوم ومشاكل وطنهم ورؤية مجتمعية ويمتلك أدواته الفنية التى تعيد تشكيل هذا الواقع وتستشرف من خلاله مستقبل أفضل.
8 - ضرورة عودة قطاعات الدولة الإنتاجية للمشاركة فى الإنتاج الدرامى وألا تترك الساحة للقطاع الخاص ، الذى هدفه الأول هو الربح يليه أى أهداف أخرى أما قطاع الدولة فمنوط به تقديم أعمال درامية تساهم فى بناء الوطن عقلياً ووجدانياً وسلوكياً والإضطلاع ايضاً بإنتاج أعمال قومية كبرى .
ثالثاً : دور ومسئولية " رجال الدين " فى مكافحة التطرف العنيف
يطرح الخطاب السياسى الدولى والإقليمى رؤية متناقضة لدور ومسئولية رجال الدين فى مكافحة التطرف العنيف ، إذ يصر هذا الخطاب على مسئولية رجال الدين عن إستفحال خطاب التطرف ، بينما يروج فى الوقت ذاته لمفهوم أن الإرهاب لا دين له ، وهو الفهم الصحيح للإرهاب و التطرف الدينى والحض على الكراهية .
وفى كل الأحوال تنطلق الدعوات المتعلقة بالخطاب الدينى ونمط تغييره أو تطويره أو تحديثه من رؤى عامة يعوزها البحث العلمى المحايد ، وتعتمد هذه الدعوات على مصادر التأثير فى الخطاب الدينى وتركز على موقع الدين فى المجتمع ، وتشكيل رجل الدين ، الذى تقسّمه عادة بين القيادات الدينية ، والدعاة التقليديين ، والدعاة الجدد ، كما تركز هذه الدراسات على مصادر المعرفة الدينية مثل الأسرة والمجتمع المحلى والتعليم المتاح فى المدارس والمعاهد الدينية والمدنية ، والفضاء الألكترونى .
كما تُظهر المتابعة ظاهرات مؤسفة لا تتناسب مع حجم القضايا المتعلقة بهذا الموضوع وأهميتها وتأثيرها على مسألة التطرف ويعبر عن ذلك أعداد القنوات التليفزيونية المتخصصة فى الرسالة الدينية والذى يتجاوز العشرات على قنوات ( النايل والاراب سات والأتلانتك بيرد ونور سات ونايل سات ) فضلاً عن الرسائل الخلفية التى تبث على المحطات الأخرى ، وكذلك على حجم إصدارات الكتب الدينية بالنسبة لمجمل النشر فى القضايا الإجتماعية ، وبعض هذه القنوات قد تكون موجهةمن قبل جماعات دينية ، أو سياسية دينية . وأخطرها ما يتصل بالفتاوى الدينية والمعارك الفقهية تجاه المذاهب الأخرى أو الأديان الأخرى .
ويتفاقم الأمر على المواقع الدينية على شبكة الإنترنت التى أصبحت هى الأخرى أحد مصادرمعرفة الأفراد بدينهم أو لشرح الإختلافات بين الأديان والمذاهب فضلاً عن دورها فى إطلاق الفتاوى أو الحصول عليها .
ولا ريب أن الخطاب الدينى يحتاج إلى التطوير والتحديث بعد قرون من تطور البلدان الإسلامية وتعاقب أجيال من " فقهاء السلطان " التى بررت كثيراً تجاوزات الحكام ، وتطور العلاقات بين أبناء الديانات السماوية المختلفة ، وتطور الفكر السياسى وتجذر مفهوم المواطنة ومفهوم الدولة الوطنية والتعاون الدولى .
وفى ختام المؤتمر توافق المشاركون على المبادىء التالية : -
أولاً : تبنى المؤتمر خطة العمل لمنع التطرف العنيف التى طرحها الأمين العام للأمم المتحدة على الجمعية العامة والتى إعتبرها بمثابة خريطة طريق لمواجهة التطرف العنيف والحض على الكراهية من أجل القضاء على الإرهاب .
ثانياً : إن منطقة الشرق الأوسط قد تكون أكثر بقاع العالم حاجة إلى السلام والإستقرار ، وهى أمور لا يمكن أن تتحقق إلا بإنهاء إحتلال فلسطين وحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة .
ثالثاً : لابد من وضع حد للفوضى فى كل من ليبيا وسوريا واليمن والتى تسبب فيها المقام الأول التدخلات الخارجية التى فتحت الباب للإرهاب وحولت الثورات إلى حرب أهلية بالوكالة .
رابعاً : إذا كان الإرهاب يسعى إلى تفكيك تماسك دول المنطقة وخلق الفوضى بإعتبارها البيئة المناسبة له ، فعلينا أن نبذل الجهد الأكبر فى تحقيق تماسك دولنا ومؤسساتها الإقليمية ، وأن ندرك أنه لا يمكن أن يتحقق الأمن الوطنى لأى دولة فى المنطقة بعيداً عن الأمن القومى سواء عربياً أو إفريقياً.
خامساً : لاشك أن المواجهة الأمنية للإرهاب أمر ضرورى وواجب لتحقيق الأمن ولكن لابد أن يكون ذلك فى حدود القانون والإلتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان . فالتوازن بين الأمن وحقوق الإنسان أمر بالغ الأهمية لا يجوز التضحية بأحدهما لحساب الآخر .